18 - 07 - 2024

مدينتي الفاضلة| إعدام راهب، وصب المياه في قدرٍ مثقوب

مدينتي الفاضلة| إعدام راهب، وصب المياه في قدرٍ مثقوب

لماذا صدمنا تنفيذ حكم إعدام الراهب "أشعيا المقاري"، وأثار كل هذا الجدل والغضب والشائعات!! لأنها سابقة أولى في تاريخ الرهبنة في مصر أن:- يحاول راهبان الانتحار!! إعدام أحدهما! والمؤبد للآخر! بتهمة "قتل" رئيس ديرهم الراهب المشهود بدماثته وعلمه، الأنبا أبيفانيوس!! ثم وفاة الراهب الشاهد الوحيد قبل الإدلاء بشهادته بساعات!! ولأن دير الأنبا مقار بوادى النطرون هو جزء من التراث الانساني العالمى، ومن حضارة مصر وتاريخها، منذ نشأته في القرن الرابع (عام 360 م) وظل مطمعا للنهب والسرقة ومحاولات التدمير والحرق على مر عصور اضطهاد المسيحيين المحذوفة من مناهج تاريخنا!! والتي أعادها حكم الاخوان، بإدعاء أن الأديرة مخازن أسلحة!! رحل الإخوان، ونجح  بلطجي مسجل سوابق في اغتصاب  500 فدان مسجلة آثار من حرم الدير في 2014، وفي تهديد من يتعرض له، مدعيا أنه مستثمر تنمية زراعية!! لم تردعه وتنقذ منطقة الآثار إلا استغاثة رئيس الدير بالرئيس السيسي، الذي أمر باستعادتها وأيضا بإصدار التصريح بإقامة سور لحمايتها.. وانتهى الجدل بالبيان الرسمى الذي أصدرته الكنيسة بالأمس. 

خصوصية دير أبو مقار تعود لبداية ظهوره كصومعة صحراوية صغيرة لراهب باسم مقار، أراد  الحياة متوحدا للعبادة.. وانبثقت منه الرهبنة في صحراء مصر لتنتشر في العالم.. عاصر الدير ووثق  الأطماع الخارجية لاحتلال مصر، وعصور اضطهاد المسيحيين في مصر وأبشعها أيام الرومان الوثنيين في حكم نيرون، حيث المذابح الجماعية لآلاف شهداء إسنا وأخميم بصعيد مصر.. استمرت المطامع قبل وبعد ظهور الإسلام في عصور الخلفاء والفاطميين والعثمانيين، وانتشر نهب الكنائس قبل حرقها.. سجل أحداث مصر محفوظ دون انتقاء في مكتبة الدير، كنز مخطوطات نُخًب علماء فلك ولغة وتاريخ ترجمها الرهبان كتبا، منها ترجمات الكتب المقدسة من اللغة اليونانية إلى القبطية، والعربية والحبشية.. في هذا الدير سُنت قوانين الكنيسة، وسٌجلت سِير حكام وقديسين وشهداء حصيلة قرون، مدفون منهم بالدير يوحنا المعمدان (النبي يحيى).. يزرع رهبان الدير لتوفير طعامهم، وتطبيق تجارب زراعية، أدهشت الرئيس السادات، ودفعته لاقامة مدينته "السادات" في الصحراء المقابلة، للاستفادة من خبراتهم.. باختصار الدير هو ميراث إنساني وحضاري عالمي لمصر.

تسحبنا إدانة الراهب وإعدامه، إلى الدهشة من تزايد أحكام الاعدام في مصر! 

170 دولة في العالم أقرت إلغاء عقوبة الاعدام، بعد إجابة "لا" على ثلاثة أسئلة طرحتها الأمم المتحدة ، وهي:- هل ردع الإعدام الجريمة؟! هل يمكن اصلاح خطأ الحكم؟! هل يتم إعدام الأغنياء!؟ 

وأتكلم عن وطني مصر.. إجابة أول سؤالين هى لا مؤكدة، بدليل  تنفيذ 1070- ألف وسبعين- حكم إعدام خلال 20 عاما.. بمتوسط اعدام اسبوعيا! مع ارتفاع معدل أبشع الجرائم، قتل الأب والأم والأولاد!

وهل يُعدَم الأغنياء!! الإجابة "لا" مؤكدة، والأدلة بالكوم.. آخرها الحكم على هيثم نجل الملياردير كامل ابو على، بغرامة مليون جنيه وسنة مع ايقاف التنفيذ، في مجموع "جرائم" دهس "مي اسكندر" المهندسة الشابة!! رغم "تكراره" لنفس الجريمة مؤخرا وبنفس تفاصيل القيادة في سهل حشيش تحت تأثير ٌمسكر ومٌخدر، وعكس الاتجاه في طريق سريع، والقتل بالإهمال والرعونة!! وملفات العدالة في وطني تشهد بوقائع نجاة أنجال الأثرياء من جرائم قتل بارد، وهم يلهون بجسارة بفلوس أبوهم أو يستعرضون سلطاته!!

ويحق لنا إضافة سؤال للعالم الثالث:- ماهي نسبة انخفاض معدلات أهم دوافع الجريمة!؟غياب العدالة الاجتماعية، قمع حرية الرأي، الجهل، وذل الاحتياج لمصاريف العلاج!

منطق الدول التي تعارض الإعدام، هو أنه جريمة ترتكبها دولة ضد فرد، مقابل جريمة ارتكبها قاتل ضد فرد، وجريمة لغياب العدل، فالفقير لايملك ملايين يدفعها أتعابا لمحامين وتعويضا لأهل الضحية!! لاستحالة تعديل إعدام برئ.. لذلك استجابت 195 دولة مستقلة تابعة للأمم المتحدة لنداء وقف الاعدام بالإلغاء أو التجميد، أو قصره على جرائم محددة مثل الخيانة العظمى.

اختيارات أسباب وجوب عقوبة الإعدام ووسيلته كاشف للدول، مثلا وحشية تطبيقه في الصومال تكشف بؤس الجهل والفقر!! فالإعدام علنيا، رميا بالرصاص من فرقة، او بالرجم في جرائم التجديف والزنا والردة.. وفق تقرير منظمة العفو الدولية، أما الصين، الأولى عالميا(1000 إعدام سنويا) والمنافس الشرس للدول العظمي، فقد حصرت الإعدام في جرائم الفساد وتهريب المخدرات!! ومصرالخامسة عالميا (بعد ايران والسعودية والعراق) تعدم - 32 سنويا- شنقا كنص قانون العقوبات 58 لسنة 37 كأكثر الوسائل رحمة لكفاءته، وبمنطق من قتل يقتل! أي أن استثناءات كل دولة هي مؤشر، ودليل.

السينما لعبت دورها التوثيقى تاريخيا كأبرع ما يكون، بتسجيل اعدامات وليدة ثورة شعوب ضد طغاة، مثل فرنسا وبولندا، ومجرمي حرب- موسولينى إيطاليا- روزينبرج ألمانيا-، وجواسيس.. وإعدامات وحشية ضد ثوار مثل جيفارا وعمر المختار.. والتاريخ في انتظار توثيق إعدام صدام حسين والقذافي!

 تتغير مصر الآن، ميزان العدالة الاجتماعية المائل بدأ يرتفع بإزالة العشوائيات، وصيحة القانون، وملامح وعي شعبي يحتاج الدعم بتعليم ذكي وطني، نقي من التعصب.. تاريخ اضطهاد الأقباط المحذوف من مناهج التاريخ، هو سبب رئيسي لنجاح مخططات تخريب مصر، فلا أسهل من استقطاب الجاهل، ولا أيسر من ترويعه بعذاب الآخرة، وترغيبه بجنة شرط استحقاقها هو قتل الآخر!! وأرى ان ترتيبنا الخامس عالميا لأن الإعدام لدينا عدل دون إصلاح!    

  مصر هي منشأ الرهبنة في العالم وهي بلد الألف مئذنة!! فهل أخفقت أجراس الكنائس وميكروفونات المآذن في تثبيت روح الأديان "المحبة والتسامح وقصاص الله" في ضمائر الشعب!! الإجابة نعم.
--------------------------------
بقلم: منى ثابت


مقالات اخرى للكاتب

 مدينتي الفاضلة | محاكمة القرن.. دين شنوده إيه؟!